إنتفاضة الاستقلال سبيل الشعب الصحراوي نحو الاستقلال 

بقلم : محمد هلاب

 

 

 

 

مقدمة:

قبل الخوض في "انتفاضة الإستقلال"، لابد أولا من إعطاء تعريف ولو موجز للإنتفاضة بشكل عام . ف"الإنتفاضة"لغة هي: التحرك، فقد جاء في معجم لسان العرب ل"ابن منظور": نفضت الثوب والشجر إذا حركته لينتفض. وكذلك، جاء في المعجم الوسيط: انتفض الشيء بمعنى: تحرك واضطرب، وفلان ينتفض من الرعدة. وهذا يعني أن الانتفاضة، هي حركة واضطراب.

وأما في الإصطلاح الحديث، فهي ذلك التحرك الشّعبي الجماهيري الهائل من أجل قضايا التحرر والإنعتاق، ورفض واقع الإحتلال والإستعمار . وقد شهد العالم عدة أمثلة عاشتها شعوبه عبر هذا المعنى أو المثال (أي الإنتفاضة)، وليس ببعيد عن ذلك مايعيشه أبناء وبنات الشعب الصحراوي من انتفاضات متتالية من أجل رفع الظلم والهيمنة والإحتلال المغربي .

وتأتي "انتفاضة الإستقلال" دليلا قاطعا وتتويجا لبداية نهاية عمر الإحتلال .. لقد أتى تحرك الجماهير الصحراوية بالمناطق المحتلة وجنوب المغرب و الجامعات المغربية وبكل مواقع الفعل والنضال ، تحركا و زخما نضاليا سلميا حضاريا اندلع منذ 21 ماي 2005، وامتد عبر كل أرجاء الوطن الصحراوي المحتل ،انطلاقا من العاصمة العيون، حيث كانت بداية الشرارة من أمام "السجن لكحل" الرهيب أين تجمع العديد من أبناء وبنات الشعب الصحراوي احتجاجا على ترحيل المعتقل السياسي الصحراوي "سيدأحمد هدي الكينان" ..لتعم باقي مدن ومداشر الوطن ، وكذا مختلف المواقع الجامعية داخل المغرب نفسه ، الشيء الذي أماط أقنعة الديمقراطية والحريات التي طالما تشدق بها النظام الملكي الجديد القديم في السنوات الأخيرة ، خاصة منذ اعتلاء الملك "محمد السادس" عرش الدولة المغربية 1999، إلا أن قوات هذا الأخير سرعان ما أظهرت خفاياه ودسائسه ، وسرعان ما أكدت أن لسان الحال أصدق من لسان المقال.

ولعل المحطات الأخيرة بتدخل قوات القصر لردع "انتفاضة الإستقلال" بكل أساليب العنف والوسائل القمعية الخطيرة خير دليل على ذلك . إلا أن أبطال وبطلات"الإنتفاضة" يومها كان لهم رأي جديد هذه المرة ، تحول من رأي كامن بفعل التضييق والخناق والإرهاب الممنهج، إلى رأي صريح معبر عنه بصوت عال واضح وضوح الشمس في كبد السماء بفعل الإستجابة لنداء الإنتفاضة الذي دوى عاليا ليصل إلى كل بقاع العالم، كاشفا سياسات ومغالطات الدولة المغربية وخروقاتها السافرة لحقوق الإنسان الصحراوي فوق أرضه المغتصبة...ومبينا أيضا (أي النداء) أنه قد حان الوقت لتعود المياه إلى مجاريها، قد حان الوقت للفصل بين الحق والباطل، قد حان الوقت لإنهاء معانات الأرض والشعب الصحراوي، قد حان الوقت للعودة إلى الوطن ولم الشمل بين أحضانه، قد حان الإستقلال...ولم تأتي تسميتها "انتفاضة الإستقلال" عبثا هكذا ، بل جاء الإسم لأنه

حقا حان موعد الإستقلال..ولم يعد هناك من إسم بعد الإستقلال، مما يبرهن أنها بحول الله وقوته أخر انتفاضة يخوضها الشعب الصحراوي قبيل الإستقلال.

انتفاضة الإستقلال سليل وامتداد للعديد من الإنتفاضات :

لم تكن "انتفاضة الإستقلال" أول انتفاضة يخوضها الشعب الصحراوي، بل جاءت امتدادا وسليلا للعديد من الإنتفاضات التي سبقتها على مر تاريخ مقاومة الشعب، هذه الإنتفاضات التي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: "انتفاضة الزملة التاريخية" 17 يونيو 1970 ، الإنتفاضة التي اندلعت تتويجا لمرحلة طويلة من نضال الحركة الوطنية الصحراوية التي تمخضت عن ميلاد وإنشاء "المنظمة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" أو "منظمة تحرير الصحراء" على يد مجموعة من المواطنين الصحراويين الأشاوس بقيادة الفقيد "محمد سيد ابراهيم بصيري" ، هذه الإنتفاضة التي واجه فيها

المستعمر الإسباني آنذاك جموع المنتفضين الصحراويين بشتى أنواع التنكيل والتعذيب والإختطافات، حيث راح ضحية ذلك التدخل الهمجي "محمد سيدابراهيم بصيري" مجهول المصير لم تقدم عنه الحكومة الإسبانية المسؤولة أي شيء حتى الآن رغم مطالبة إلحاح المنظمات الحقوقية العالمية وجمعية أولياء المعتقلين والمفقودين الصحراويين بالكشف

عن مصيره .

واستمرارا لملحمة الزملة التاريخية وعلى نهج رفض الشعب الصحراوي العيش تحت سيطرة أي قوة استعمارية مهما كان نوعها، تلت ذلك انتفاضة "طان طان" 1972 ، هي الأخرى وجدت قمعا عنيفا من المستعمر ، حيث اعتقل العشرات من المواطنين الصحراويين من مختلف الأعمار والأجناس، كما عذب وشرد الكثير ، ورغم آلة القمع المدمرة التي قوبلت بها إلا أن ذلك لم يثني هذا الشعب عن نضاله وكفاحه المرير من أجل حقه، بل إن ذلك لم يزده إلا عزما وإصرارا على التمكين والتمكن، وبالتالي تنظيمه وتأطيره تحت ممثل شرعي وحيد أسس في 10 ماي1973 "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب".

وبعد تأسيس "البوليساريو" بعشرة أيام فقط كانت بداية شرارة الكفاح المسلح ضد جحافل الإستعمار الإسباني 20 ماي 1973 عندما خرج المناضلون الصحراويون في عملية مسلحة قوامها وعتادها مقارنة بما يملكه العدو آنذاك هو فقط معنويات الشعب المرتفعة والإيمان بعدالة القضية وضرورة رفع الحيف والظلم الذي يجسده المستعمر ...

وبعد اقتناع "إسبانيا" أنها لن تستطيع مقاومة وإرادة الشعب الصحراوي، خرجت بعد عملية خبيثة جسدتها "اتفاقية مدريد المشؤومة" لتدخل في عملية تسليم واستلام مع النظام الملكي المغربي والنظام الموريتاني آنذاك... ليدخل الشعب الصحراوي مأساة جديدة ومعاناة كابدها منذ الوهلة الأولى لقدوم المحتل المغربي 31 أكتوبر 1975 حيث جلب هذا الأخير كل أنواع البغض والحقد، ومارس كل أنواع الإنتهاكات والخروقات السافرة لحقوق الإنسان الصحراوي، المتمثلة أساسا في التقتيل الفردي والجماعي، الرمي من الطائرات، قنبلة المدنيين بالأسلحة المحرمة دوليا، حرق الخيام وإتلاف الممتلكات العامة، الإغتصاب، التشريد، الحرمان، إجهاض الحوامل وإثكال المرضعات.. إلى غير ذلك من الجرائم والإنتهاكات .

ورغم كل ذلك فلم يستطع إرهاب الدولة المغربية ثني الشعب الصحراوي عن المطالبة بحقه المشروع في الحرية والإستقلال . بل ظل الشعب رغم قلة عدده وضعف إمكانياته صامدا واقفا حجرة عثرة في وجه المحتلين التوسعيين .

ثم توالت الإنتفاضات تلو الإنتفاضات، والبطولات تلو البطولات، إلى أن جاءت "انتفاضة 1987" التي شهدت اختطافات بالجملة وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان الصحراوي الأعزل فوق أرضه المسلوبة، ذنبه الوحيد في ذلك أنه خرج في مظاهرات سلمية لاستقبال "البعثة الأممية لتقصي الحقائق في الصحراء الغربية" أثناء زيارتها للإقليم، حيث في استقبلها الشعب الصحراوي بالعاصمة المحتلة"العيون" بالأعلام الصحراوية والزغاريد والشعارات الرافضة للإحتلال المنادية بالإستقلال، الشيء الذي لم يرق لسلطات المحتل حيث تدخلت كالمعتاد بالوسائل القمعية المعتادة .

وفي طريق التحرر والكفاح النزيه الحضاري كانت للشعب الصحراوي وقفة مع انتفاضة أخرى هي "انتفاضة 1992" التي انطلقت شرارتها في 24سبتمبر 1992 من "آسا"، هذه الإنتفاضة التي كانت دليلا قاطعا على وحدة وصلابة الشعب الصحراوي في مواجهة الإحتلال، وعلى إثرها قامت سلطات الإحتلال بتعزيز المنطقة بأجهزة أمنية تفوق ساكنة

المدينة بالأضعاف المضاعفة، حيث قامت هذه الأجهزة اللعينة بمواجهة المنتفضين المتظاهرين، واعتقال العديد من رواد هذه الملحمة البطولية ممن عانوا السجون والمعتقلات السرية ب"انزكان" المغربية وغيرها من المعتقلات الرهيبة .

لتعقبها مباشرة "انتفاضة 1993" التي شهدت نوعا جديدا من الغطرسة المخزنية المغربية، حيث تمت محاكمة مجموعة من الشباب الصحراوي بينهم قاصرين، حوكموا محاكمة عسكرية، رغم أنهم مدنيين طلاب في الإعداديات والثانويات ولاعلاقة لهم بالعسكر لا من قريب أو بعيد .

وهذه المجموعة هي المعروفة لدى الرأي العام ب"مجموعة الستة" التي كان من ضمنها الشابة الصحراوية المرحومة "كلثوم أحمد لعبيد الونات" التي راحت فيما بعد ضحية حادث سير مفبرك في الطريق الرابطة بين "طانطان" و "السمارة" المحتلة .

وأمام إصرار الدولة المغربية على تعنتها ومماطلاتها لم يجد الشعب الصحراوي الأعزل من حل أمام صمت العالم إلا أن يواصل نضاله السلمي الحضاري وخوض الإنتفاضات المتتالية مواصلة للدرب حيث اعتصم مرة أخرى السكان الصحراويين بمنطقة "لمسيد" ضواحي "طانطان" في انتفاضة 1997 عندما اعتصموا اعتصاما دام أربعة أشهر تدخلت خلاله قوات القمع المغربية بمختلف فصائلها بعنف شديد ضد المعتصمين يومي 25 و 26 من فبراير 1998 لفض وقمع الإعتصام، إلا أن الأبطال الصحراويين أصروا على الحيلولة دون ذلك، مما نتج عنه صدامات قوية بينهم وبين أجهزة القمع المغربية، سقط جراءها العديد ما بين مصاب ومعتقل في صفوف الصحراويين ممن بصموا في السجل الذهبي لتاريخ نضال الشعب الصحراوي المكافح .

ولم يمض الكثير من الوقت حتى ضربت الجماهير الصحراوية موعدا جديدا مع "انتفاضة 1999 المجيدة"، هذه الإنتفاضة التي خرجت فيها كل شرائح المجتمع الصحراوي لتظهر لملك المغرب حديث النشأة "محمد السادس" أنها موجودة ودائما في مواكبة مستمرة للأحداث ورفض تام لكل أنواع الظلم والطغيان، حيث تميزت الإنتفاضة هذه المرة في سابقة من نوعها بتجنيد السلطات المغربية لمليشياة من المستوطنين المغاربة إلى جانبها لقمع المتظاهرين الصحراويين وترهيبهم والتنكيل بهم ... وقد نتج عن ذلك اعتقال واختطاف، وتعذيب العشرات من الصحراويين وتقديمهم للمحاكمات الصورية بملفات

مطبوخة بإحكام وعقوبات سجنية تراوحت بين الشهر و الخمسة عشر سنة سجنا نافذا .وهكذا بقيت أشكال المقاومة الحضارية السلمية العنوان الأبرز لنضالات الشعب الصحراوي الأعزل المؤمن بنبل وعدالة قضيته، وأنه لن يضيع حق وراءه مطالب .

 الجزء الثاني 

** الساقية صحيفة الكترونية مستقلة   **

** المدير العام رئيس التحرير : ميشان سيدي سالم أعلاتي **

    M_FICHAL@YAHOO.FR      

ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***   ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***  ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا