إنتفاضة الاستقلال سبيل الشعب الصحراوي نحو الاستقلال 

بقلم : محمد هلاب

الجزء الثاني 

 

لقد اندلعت كما هو معلوم "انتفاضة الإستقلال"واشتعل فتيلها في 21ماي2005 نتيجة لتراكمات الأساليب القمعية والترهيبية الممنهجة من طرف الدولة المغربية.. ولقد كان ترحيل المعتقل السياسي الصحراوي "سيدأحمد هدي الكينان" من السجن لكحل بالعيون المحتلة بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، حيث أن الرد الهمجي لسلطات الإحتلال على المظاهرة السلمية التي نظمتها عائلته (أي عائلة الكينان)، والنشطاء الحقوقيين الصحراويين إضافة إلى الجماهير الصحراوية أمام السجن المذكور ،هذا الرد الهمجي الذي كان السبب في جعل الرأي العام لدى الصحراويين بالمناطق المحتلة وجنوب المغرب يتحول من الكامن إلى الصريح المعبر عنه، ليتجاوبوا مع نداء الإنتفاضة الذي دوى صوته عاليا في آذان كل أرجاء المعمورة، هذه الإنتفاضة المباركة التي نسبت في تسميتها إلى "الإستقلال"، ولم يكن الإسم هكذا بمحض الصدفة، بل لأنها جاءت (أي الإنتفاضة) لتكون خاتمة لجملة من الإنتفاضات والمقاومات والنضالات التي قام بها الشعب الصحراوي على طول مراحل كفاحه ضد الغزاة الدخلاء .هذا الشعب الذي انتفض بمختلف شرائحه (طلبة، معطلين، حقوقيين، عمال، شيوخ، نساء، رجال ...) الكل أراد أن يجعل من "انتفاضة الإستقلال" الحد الفاصل بين الدولة المغربية

والدولة الصحراوية، من خلال الرفض القاطع للإحتلال والمماطلات والإنتظار الممل الذي انتظر من خلاله الشعب الصحراوي أكثر من ثلاثة عقود من الزمن في ظل الممارسات القمعية والإنتهاكات الجسيمة المرتكبة في حقه .

الإنتفاضة برهان الشعب على تحقيق الذات ورفع التحديات:

يتجلى لب وجوهر "انتفاضة الإستقلال" في مغزاها السياسي، بل تبقى أحسن وسيلة لتمرير خطاب سياسي متحرر، خاصة في ظل الواقع المعاش حاليا، المتمثل في:

ـ جمود مخطط التسوية الأممي .

ـ الموقف المغربي المتعنت الرافض لأي حل يتضمن تقرير المصير .

ـ عجز المنتظم الدولي عن فرض احترام قراراته .

ـ تفشي انتهاكات حقوق الإنسان الصحراوي في الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية

وكل المواقع التابعة للإدارة المغربية .

ـ الحصار الإعلامي ، والطوق العسكري المضروب على المنطقة .

ورغم كل ذلك، فلقد حققت "انتفاضة الإستقلال" في مشوارها القصير منذ اندلاعها العديد من المكاسب سواء على المستوى المحلي أو الدولي، وأثبتت بالفعل وبجدارة قدرة الشعب على الفعل النضالي الحضاري السلمي، حيث برهنت وبفاعلية مطلقة نوايا الشعب الصحراوي الحسنة في مد يده نحو السلم والتمسك به رغم ما يلاقيه من قمع وتنكيل، وأثبتت للعالم أجمع رغم التعتيم الإعلامي والتضييق المفروض من طرف المحتل أن الشعب الصحراوي، شعب مسالم يحب السلم ويسعى وراءه، وهذا لايعني بتاتا تخليه عن الدفاع عن النفس الذي تشرعه المواثيق والأعراف الدولية، بما في ذلك العودة في أية لحظة إلى الكفاح المسلح إذا دعت الحاجة إليه، كما سبق أن خاضه جيش التحرير الشعبي الصحراوي (1975ـ1991)، وسجل من خلاله صفحات مجد وخلود بصمتها الذاكرة الجماعية الصحراوية .

ورغم محاولات المحتل المغربي لإقبار "الإنتفاضة" بوصفها أنها لا تخرج عن نطاق أعمال شغب، وأنها فقط ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية لا أكثر ولا أقل ، ورغم كل ذلك لم يفلح ، بل لم يزدها ذلك إلا شحذا للعزائم ، وإصرارا على المواصلة في طريق النصر وانتزاع الحق، حيث أن "انتفاضة الإستقلال" ذهبت أبعد من ذلك في استراتيجياتها وأبعادها وتأثيراتها الملموسة في تعميق حس العدالة التي تطبع القضية الصحراوية، كونها قضية تصفية استعمار ، وتأكيدها على لحمة ووحدة الشعب وانسجام كافة شرائحه تحت لواء "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" الممثل الشرعي والطلائعي الوحيد .

انتفاضة الإستقلال..المكاسب والإنجازات:

حققت "انتفاضة الإستقلال" العديد من المكاسب ستظل راسخة في الأذهان، وستبقى محل إعجاب وتقدير تتداوله الأجيال .. ولا ضير في حصر أهم هذه الإنجازات والمكاسب على المستويين المحلي والدولي.

على الصعيد المحلي :

حققت الإنتفاضة منذ اندلاعها على المستوى المحلي (المناطق المحتلة، جنوب وداخل المغرب، مخيمات اللجوء) العديد من المكاسب لا يمكن حصرها، نوجز البعض منها في الآتي :

ـ إبطال وإفراغ محتوى الأساليب القمعية المغربية وتأكيد عدم جدوائيتها، من خلال رفض الشعب الصحراوي للخضوع أو التراجع، ومن خلال أيضا العزم والإصرار على المواصلة بطرق سلمية حضارية .

ـ جعل المحتل يلجأ إلى تغيير أساليب الإعتقال والإعتراف بالمعتقلين السياسيين، وكذا بالنشطاء الحقوقيين، وذلك بفعل مواجهة الإعتقال وخوض الإضرابات الطويلة عن الطعام من خلف القضبان .

ـ مواجهة المحاكمات وجعلها سياسية و اتخاذها منابر إعلامية للتعريف بالقضية والمرافعة عنها .

ـ إجبار المحتل على هدر أموال طائلة لتقوية أجهزته القمعية وتتكثيفها داخل المنطقة .

ـ تأكيد الحق، وإبطال الباطل، من خلال حرق الأعلام المغربية ورفع الأعلام الوطنية الصحراوية، وبالتالي إفشال مايريد الإحتلال فرضه كواقع يعاش في الإقليم .

ـ فرض الإعتراف بالنشطاء الحقوقيين الصحراويين، وتجوالهم في الخارج للتعريف بالقضية والمرافعة عنها .

ـ بروز أحزاب سياسية، ومنظمات مغربية متضامنة مع القضية (النهج الديمقراطي، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، منتدى الحقيقة والإنصاف ...) .

ـ بروز الإنتفاضة كمادة وأسلوب قوي للتحريض الجماهيري .

ـ شموليتها لكل أطياف المجتمع .

ـ مساهمتها في التربية والتنشئة السياسية للأجيال الصاعدة على ثقافة المقاومة السلمية .

ـ تسمية الشوارع والأحياء داخل الوطن المحتل بأسماء شهداء القضية .

ـ تقوية الإيمان بالقضية، والإستماتة في الدفاع عنها .

ـ ظهور العديد من المواقع الإلكترونية تواكب تطورات الإنتفاضة، وكل مايتعلق بالقضية الوطنية عموما، سواء من داخل الوطن المحتل أو المغرب نفسه، وكذا من مخيمات اللجوء .

ـ التحام الشعب وتآزره من خلال التضامن مع رواد الإنتفاضة من مخيمات اللجوء (قوافل دعم الإنتفاضة، المنابر التضامنية بمختلف الولايات والمؤسسات الوطنية ...).

ـ تخصيص حيز كبير من الإعلام الصحراوي بالمخيمات للإنتفاضة .. وبروز مراسلين لها من الداخل سواء بالصوت أو الصورة أو الكتابة...

ـ الحضور الدائم لمعارض ضحايا الإنتفاضة في كل الذكريات والمناسبات الوطنية، سواء بالمخيمات أو المناطق المحررة .

على الصعيد الدولي :

أما على الصعيد الدولي فإن دور الإنتفاضة يتجلى في كونها أعطت أبطالا نذروا أرواحهم في سبيل القضية (الشهيدين : حمدي لمباركي، لخليفي أب الشيخ)، ومناضلين نذروا أجسادهم شموعا تحرق، وأعينهم منارا ينيروا به الدرب للعالم لكي يطلع على حجم المعانات، ويعرف الإحتلال المغربي على حقيقته .

وعن ماحققته "الإنتفاضة" على المستوى الخارجي نوجز البعض منه فيما يلي :

ـ استقطاب العديد من المنظمات الحقوقية، والبرلمانات الدولية إلى المنطقة .

ـ حضور القضية الوطنية بقوة في العديد من المنابر والملتقيات الدولية .

ـ استقطاب عدد كبير من القنوات الفضائية والصحافة العالمية لتغطية الأحداث بالمنطقة .

ـ زيارة بعثة المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة، والمكلفة بجمع معلومات حول انتهاكات حقوق الإنسان بالصحراء الغربية .

ـ نشر عدة مقابلات مع نشطاء حقوقيين صحراويين، ومقالات عن الإنتفاضة في العديد من الصحف الدولية .

ـ صدور كم هائل من تقارير المنظمات الدولية التي أدانت القمع المغربي، وانتهاكات حقوق الإنسان على مدى أكثر من ثلاثين سنة من معانات الشعب الصحراوي (منظمة العفو الدولية "هيومان رايتس ووتش" ، المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب، المنظمة المسيحية للقضاء على التعذيب، منظمة مراسلون بلا حدود، منظمة الخط الأمامي ...)

ـ استحواذ الإنتفاضة لأول مرة على أكبر فقرة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة.

ـ إعلان سنة 2007 للتضامن الدولي مع القضية والشعب الصحراويين .

ميلاد لجان دولية للتضامن مع القضية (اللجنة الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي التي تلاها تأسيس المنتدى الشباني الطلابي لدعم انتفاضة الإستقلال، وكذا الرابطة الموريتانية لأصدقاء الصحراء الغربية التي تلاها تأسيس منظمة الشباب من أجل غد أفضل، وأيضا اللجنة العربية للتضامن مع الشعب الصحراوي وحقه في تقرير المصير، فضلا عن

الدعم الذي عبر عنه اتحاد الشباب التقدمي العربي في هذا الإطار على مستوى العالم العربي) .

الآفاق المستقبلية للإنتفاضة :

لقد نجحت الإنتفاضة إلى حد الآن في بسط نفوذها، وفرض أدبياتها بما حققته في عمرها القصير مقارنة بمثيلاتها في العالم، بفضل قضائها على الجمود الذي كان يسود القضية الصحراوية منذ وقف إطلاق النار (1991) ، حيث أصبحت منذ اندلاعها تتحكم في زمام الأمور بإرباكها لكل مخططات المحتل وحلفائه، ومن خلال التمعن في إنجازاتها يتضح بأنها بداية نهاية الإحتلال .

وأن المغرب لن يصمد طويلا أمام زحفها المتواصل نحو الهدف المنشود الذي من أجله سميت (الإستقلال)، ومن خلال استقراء الواقع والمعطيات، وما ستتمخض عنه المفاوضات بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في "منهاست"، فإنه وإن فشلت هذه المفاوضات كما هو منتظر، بسبب سابق التجربة (مفاوضات هيوستن، مفاوضات العيون، مفاوضات لشبونة...) إلا أن الجماهير الصحراوية التي لا تعول إلا على ما انتزعته، تحت لواء الجبهة الشعبية (البوليساريو) سواء أيام الكفاح المسلح، أو بعد ذلك أثناء المقاومة السلمية، وصولا إلى "انتفاضة الإستقلال"، هذه الأخيرة التي هي السبيل نحو الإستقلال .. لكونها ستعطي دفعة قوية في المستقبل القريب للتحرك دوليا عن طريق فرض واحترام المواثيق الدولية، ومحليا عن طريق فرض خيار الشعب الصحراوي بأي طريقة، بما فيها الطريق نحو الكفاح المسلح في حال إصرار المحتل المغربي على التعنت وعدم الإكتراث .

خاتمة :

إن إرادة الشعوب من إرادة الله .. وإرادت الشعوب لاتقهر .. وتتحرر الشعوب وتنموا وتزدهر بفضل نضالات نسائها ورجالها التواقين للحرية أكثر من الحياة ، والمستعدين دوما للتضحية في سبيل تمكين الذات، وحفظ الكرامة، وصون العزة، وتحقيق الحريات... وللوصول إلى تلك الغاية وضرورة الحاجة إليها، فإنه لابد من الوصول إليها مهما كلف ذلك من ثمن .

فهاهي ذي الجماهير الصحراوية ترنوا في زحف مستمر منتطم نحو الحرية والإنعتاق بأساليبها السلمية الحضارية التي تجسدها "انتفاضة الإستقلال"، متخذة في ذلك العبرة من التاريخ الحافل بالأمثلة ، كثورة "غاندي" التي عبدت طريق الحرية للهند، وكفاح المؤتمر الوطني الإفريقي الذي مزج بين الكفاح المسلح والعصيان المدني كأسلوب أثبت نجاعته في القضاء على نظام "الأبارتايد" في جنوب أفريقيا، وعلى نفس النهج تحصلت الجزائر على استقلالها بعد تقديم مليون ونصف المليون من الشهداء على مذبح الحرية والإنعتاق ضد المستعمر الفرنسي، كما تحصلت تيمور الشرقية في أسلوب مماثل على استقلالها . وكما أعطينا هذه الأمثلة واستدلينا بها، فإنه أكيد سيكون نضال الشعب الصحراوي

أفضل مثال يقتدى به في المستقبل القريب .

** الساقية صحيفة الكترونية مستقلة   **

** المدير العام رئيس التحرير : ميشان سيدي سالم أعلاتي **

    M_FICHAL@YAHOO.FR      

ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***   ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***  ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا