الأمم المتحدة وقضية الصحراء الغربية...

 خيرًا تفعل ... شرًا تلقى...

نشر هذا المقال في مجلة الشهاب 

بقلم : ميشان سيدي سالم أعلاتي

 

بعد طول صبر وطول إنتظار إستقبل الصحراويين القرار الأممي رقم 1754 والقاضي بدعوة الطرفين إلى مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة بكثير من التخوف والريبة , نتيجة إلى الغموض الذي عقب القرار الأممي الأخير , وعدم التباين الذي طالما شاب الراهن من المرحلة .

فإذا كان القرار واضح وضوح الشمس فإن أعضاء الهيئة الأممية بما فيهم الأمين العام وممثله في المنطقة وكذا الدول الكبرى لم تكن بذلك الوضوح , وبالنظر إلى الواقع الميداني نجد مجموعة من العوامل تدعو إلى طرح مجموعة من التساؤلات التي لن تكون بتلك البراءة المعهودة على الاطلاق , وأبرز تلك النقاط التي تثير الشبوهات التأجيل المفاجئ للزيارة التي كان من المفروض أن تشمل المنطقة المعنية لكن ماحدث هو أن الزيارة التحضيرية بدأت من حيث لم يكن متوقع , إذ أن ممثل الأمين العام السيد فان فالسوم بدأ هاته الزيارة من أمريكا وعدة بلدان أوروبية , الشيئ الذي لم يكن له أي مبرر, لكن إذا ما جمعت الأحداث الأخيرة المتعلقة بالقضية الصحراوية في إطار واحد فإنها ستضع  حد لكل تأويل قد يخرج عن إطار المعقول ضمن الوعي السياسي , لأن الصورة الميدانية تتحدث عن نفسها حيث يمكن القول أن الهدف الأساسي من وراء كل تلك التحركات المشبوهة هو البحث مع الأطراف الفاعلة على مستوى السياسات الخارجية ( إسبانيا , فرنسا ,أمريكا ) عن الكيفية التي يمكن من خلالها الضغط على البوليساريو بإعتبارها الحلقة الأضعف في اللعبة السياسية الدولية وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى ما قاله السيد إيان ليسير الخبير في شؤون النزاعات والشرق الأوسط خلال الندوة التي نظمها مركزالتقدم الأمريكي بواشنطن حول نزاع الصحراء الغربية وبحث أفاق التسوية على ضوء المبادرات الأخيرة إذ قال

 (( إن بإمكان الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي لها مصالح اقتصادية واستراتيجية في شمال إفريقيا تنسيق جهودها واستراتيجياتها من خلال المساعدة في حل النزاع. وأضاف أن مثل هذه المبادرات الخارجية ستفسح المجال لإقامة علاقات تعاون بين دول شمال إفريقيا. ويكمن أحد الخيارات في أن توضح الولايات المتحدة وأوروبا بشكل جلي أن هناك تكلفة كبيرة تنجم عن عدم التحرك وإبقاء الوضع كما هو عليه، وتكمن التكلفة في الفرص الضائعة وربما بعض التكاليف الحقيقية مثل وضع شروط تربط بين المساعدات الاقتصادية والاستثمارات والمساعدات الأمنية )) .

 وطبعا لايمكن فهم وإستعاب ما جاء في مداخلة السيد إيان ليسير إلا بالعودة إلى أبجديات الواقعية السياسية والمنطق السياسي من منظور العلاقات الدولية خاصة المنطق الأمريكي الذي لايستثني أي قضية أو نزاع بل أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تولي أهمية خاصة بكل مناطق وبؤر التوتر بإعتارها أحد المداخل البنيوية التي ستسمح لأمريكا بالتوغل والتغلغل والتحكم في مجريات الأحداث الأقليمية والدولية , وأصدق دليل على صحة هذا القول هو محاولة إستغلال الأحداث المتتالية في منطقة الشرق الأوسط بدءًا من تراجيديا الأحداث الدموية التي تميز عراق ما بعد صدام وصولا إلى محاولة تأليب الجيش اللبناني ومن وراءه الحكومة ضد عصبة شاكر العبسي زعيم تنظيم فتح الإسلام القابع في مخيم النهر البارد اللبناني .

 ومن هذا المنطلق يمكن فهم المكامن الخفية والدوافع وراء إستدعاء فان فالسوم من طرف ممثلين عن الادارة الأمريكية فبل بدأ جولته المكوكية , حيث لانستبعد أن يكون قد تلقى تعليمات وأوامر تخص تحديد سقف للمفاوضات والتي لن تخرج عن محاولة تقريب وجهات النظر لدى الطرفين البوليساريو والمملكة المغربية حول المقترح المغربي الذي ولد ميت بإعتباره تجربة قديمة بائت بالفشل في وقت سابق . لكن أمريكا ستحاول إحيائه من جديد مستقلة في ذلك عجزالهيئة الأممية عن إجاد حل للقضية الصحراوية , ووسط الجمود القاتل الذي يتخبط فيه الطرفيين فإن إمكانية الحديث عن أشباه الحلول المستحيلة والممكنة قد تكون أمرمبرر ومقبول الشيئ الذي يفتح الباب بمصراعية امام مختلف التصورات , وفي هذا الإطاريقول روبرت مالي مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية- ضمن مشاركته في الندوة السالفة الذكر- إن هناك مسارين مختلفين ومتنافسين لحل النزاع يتمثل أحدهما في إشراف الأمم المتحدة على استفتاء ديمقراطي لتمكين سكان الصحراء الغربية من تقرير المصير. أمّا المسار الثاني فيكمن في إجراء مفاوضات ثلاثية مباشرة وغير مشروطة بين المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر برعاية الأمم المتحدة. وأضاف سيتعين على المغرب تعديل اقتراحه الخاص بالحكم الذاتي بما يستجيب لمصالح الجزائر إلى حد ما وإلى مبادئ جبهة البوليساريو إلى حد ما أيضا، كما سيتعين على جبهة البوليساريو بدورها تعديل اقتراحها بما يستجيب لما تعتبره حكومة الرباط خطا أحمرا لا يمكن تجاوزه.

وأمام هكذا تصورات يمكن القول وبكل حزم وجزم أن المسؤلية الكبيرة عن فشل الحلول الممكنة تعود أساسا إلى الهيئة الأممية كونها لازالت تتعامل بإنتقائية مفضوحة مع القضايا الدولية والنزاعات الأقليمية ففي الوقت الذي تحظى بعض القضايا بأهمية كبيرة من لدن المجتمع الدولي فإن قضايا أخرى مثل قضية الصحراء الغربية يبقى يميزها الفتور وعدم الجدية وغياب الإرادة والإهتمام , كون عدم حل مثل هذه القضايا يخدم بطريقة أو بأخرى مصالح الدول الكبرى وهذا ما عبرعنه بطرس غالي بقوله (( هناك بعض القضايا الدولية التي من مصلحة الدول الكبرى أن تبقى عالقة دون حل ومن بين تلك القضايا قضية الصحراء الغربية )) .

ختاما لاأخفيكم تشاؤمي تجاه هذه المفاوضات المرتقبة لأن مجمل النتائج التي ستخرج بها  لن تكون وفي أحسن الأحوال بمستوى التطلع الذي نطمح إليه كصحراويين وهذا بالنظر إلى التعنت الذي سيقابل به المغرب الطرف الصحراوي وفي المقابل لن يكون للهيئة الأممية من دور سوى التفرج والمشاهدة - كالعادة - وتسجيل الحضور في الساحة الدولية على حساب الأطراف المعنية بالنزاع وهما المملكة المغربية وجبهة البوليساريو .

وعموما يمكن القول أن نزاع الصحراء الغربية ينطوي على اعتبارات سياسية وإستراتيجية معقدة مما يعني غياب ملامح واضحة لتسوية القضية على الأقل في المستقبل القريب .

 

** الساقية صحيفة الكترونية مستقلة   **

** المدير العام رئيس التحرير : ميشان سيدي سالم أعلاتي **

    M_FICHAL@YAHOO.FR      

ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***   ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***  ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا