مؤتمر الشهيد الكحكاح: تطلعات وآفاق

بقلم : الولي ديلول

هذا الموضوع منقول عن موقع إتحاد الكتاب والصحفيين الصحراويين

 

من مؤتمر الشهيد امبيريك إلى مؤتمر الشهيد الكحكاح

منذ ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن، والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، تزاوج باحترافية عالية بين معركة البناء والتحرير، كان ذلك عن طريق مسارين متلازمين، داخلي: عبر إحداث مؤسسات تسهر على تسيير وتدبير الحياة العامة داخل المجتمع وعلى تكريس التوجه الديمقراطي الذي أثبتت من خلاله أن الديمقراطية غير مرهونة بشروط موضوعية مادامت الذاتية موجودة، رغم الصعاب واللجوء ورهانات معركة التحرير، وخارجي: من خلال استكمال مسيرة التحرير، بشتى الوسائل، العسكرية منها والسلمية، كلها أسست لتوجه خارجي لدبلوماسية نشطة، أنيط بها - في إطار الفعل- استثمار المكاسب المسجلة على أرض الميدان، والتنوير بالقضية الوطنية على مستوى قارات العالم، وحصد الاعترافات والعلاقات، وتنمية الحركة التضامنية العالمية وتوسيع مدها، والولوج واختراق كافة المنابر العالمية، و - في إطار ردة الفعل- التصدي لمؤامرات وتضليل العدو، وتفنيد أكاذيبه، وفضح أطروحاته الرامية إلى تزوير الحقائق التاريخية وتكريس الاحتلال، ومحاولاته الحد من الكفاح الشرعي لشعبنا الأبي وتشويهه بشتى الأساليب الملتوية والقذرة، خاصة في السنوات الأخيرة بعد أن هبت موجة من الرياح التي غيرت مجرى السياسة الدولية وموازين القوى ومعايير البراغماتية، وأشعلت فتيل الاتهامات الجاهزة والتصنيفات بالجملة في خانة ما أصبح يعرف ب"الإرهاب"، وهو ما جعل القوى الكبرى في عالم متغير تتجه نحو التكتل وحشد التحالفات الأفقية والعمودية قياسا على المواقع والمصالح، لتصبح مقولات "هذا من شيعته وهذا من عدوه" و "إما معنا أو ضدنا" عناوين لاصطفافات الوضع الدولي الراهن، . وبالتالي فتح باب جعلت مفاتيح سده بيد الولاء للتوجهات السياسية الراهنة.

من خلال هذه المؤشرات لعبت الجبهة الشعبية دورا هاما عبر تمثيلياتها في الخارج وفروعها في الداخل للتصدي لكل محاولة من شأنها القدح في شرعية ونزاهة كفاح الشعب الصحراوي لا في مخيمات العزة والكرامة، ولا في الأرض المحتلة التي تعيش تحت خط النار، وذلك ما أثبتته جبهة البوليساريو عبر مؤتمراتها الشعبية التي تقام كل أربع سنوات والتي تكون فرصة لاستحضار تضحيات الشعب الصحراوي وكذا العمل على بلورة توصيات ومقررات لتدبير وتحديد آليات العمل الوطني ما بعد المؤتمر حتى ذاك الذي يليه .

فمنذ مؤتمر الشهيد امبيريك والذي خلص بتوصيات كان لها وقعها على أرض الواقع، من خلال تسخير الذات الوطنية وإبداعاتها لخدمة القضية الوطنية استطاعت من خلاله كافة شرائح الشعب الصحراوي العمل وبشكل مباشر من أجل تفعيل العملية وبالتالي مقاومة سلطة الاحتلال وعنجهيته بعيدا عن منطق العنف والقوة خاصة عندما استشعر الشعب الصحراوي التغيرات المفاهيمية التي هيمنت على الساحة (الكفاح = التمرد، النضال = الإرهاب) ولذلك صار واجبا سلك طريق المقاومة السلمية والانصهار ضمن الأشكال التي تعبر عن واقع الشعب الصحراوي بشكل حضاري متميز يطبعه طابع التدرج في الأشكال النضالية، وهو ما تحقق عندما أبدعت جماهير الأرض المحتلة قفزة نوعية ووقعت على الفعل المباشر والمقارعة السياسية البناءة، سيما والشعب المغربي الشقيق يعيش تحت رحمة أكاذيب من سخرهم البلاط لترويج أطروحاته، ليؤسس بذلك فعلا جماهيريا وطنيا مشرعا باب انتفاضة الاستقلال على مصراعيه بإيمان راسخ وعزائم نارية وصدور عارية كان لها وقعا ايجابيا من خلال التأثير في السياسة الداخلية والخارجية للاحتلال الذي لم يجد لهذا المد من الحلول سوى التوقيع على نهج قمعي استهدف المواطنين العزل في الأرض المحتلة وجنوب المغرب وكذا الجامعات المغربية التي يدرس بها طلبة الصحراء الغربية.

كل هذه الأمور كان لها بالغ الأثر في تغيير مجريات الساحة الدولية في ما يخص القضية الوطنية وهو ما حذا بالجبهة الشعبية إلى التحرك دبلوماسيا في سبيل المطالبة بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وفضح الانتهاكات الجسيمة المرتكبة من طرف الدولة المغربية في الصحراء الغربية وهو ما تجلى في تهافت المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان إلى المنطقة، ولان الدولة المغربية تؤمن بمنطق التعتيم والحصار لأنها بالتأكيد تخفي شئ وأشياء، فإن مصير رسل السلام المبعوثين إلى المنطقة كان هو الطرد أو الدخول في عالم المجهول المليء بمالا تحمد عقباه...

مؤتمر الشهيد الكحكاح استشراف للمستقبل

يأتي المؤتمر الشعبي العام الثاني عشر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية لحمراء وواد الذهب، في إطار تكريس آخر لعلاقته مع ممثله الشرعي والوحيد، رائدة كفاح الشعب الصحراوي الأبي وطليعة مشروعه النضالي، ودعما لانتفاضة الاستقلال وتثبيتا لدعائمها ورصا لصفوف مناضليها، خصوصا وان المرحلة تقتضي الحرص على وحدة الجسد والالتفاف حول الخيار الجماهيري وتشجيعه بكافة الوسائل والآليات وجعل كل المفاتيح التي تدعم صيرورة الانتفاضة بيد رواد هذه الملحمة وبذلك نكون قد استطعنا تطويق الاحتلال وضربه حتى في عقر داره، على اعتبار أن الرهان يجب أن لا يقتصر على الأرض المحتلة فحسب، بل انه من الضروري أن يتوجه نحو الجامعات المغربية وكذا الانفتاح على المحيط الخارجي من خلال تنوير الرأي العام بواقع الأرض المحتلة ومخيمات اللجوء ... وبذلك نحقق الأهداف المتوخاة والتي يجب أن تكون في أولويات العمل المباشر لإنجاح المشروع الوطني .

إن مؤتمر الشهيد الكحكاح لهفة متعطش إلى الحرية فلا ضير أن ينتظره الشعب الصحراوي في الأرض المحتلة واللجوء بشوق وبتطلع إلى ما ستسفر عنه نتائج هذا الاستحقاق والرهان وإحداث تغييرات ينتظرها الكل ومن بينها تدعيم أسس الالتفاف حول رائدة المشروع الوطني، وترسيخ الهوية الوطنية وتكريس الوحدة الوطنية والدفع بعجلة الانتفاضة نحو الأمام .

إن المؤتمر الثاني عشر للجبهة الشعبية يعتبر محطة تاريخية في كفاح الشعب الصحراوي خصوصا انه ينعقد في أراضي تنعم بالسيادة الصحراوية وهو ما يتوافق وشعار المؤتمر "كفاح شامل لفرض السيادة والاستقلال الكامل" وبالتالي ضرورة تكريسها عبر خطوات أكثر عملية وتوجيه كافة الأنشطة ذات الصبغة السياسية تجاه الأراضي المحررة لدعم ذاك التكريس، وبذلك نكون على موعد مع التاريخ مرة أخرى، لنستكمل بذاك المسار الوطني بطابعه الكفاحي التحرري وبعمليته الديمقراطية المحصنة بإرادة الشعب الصحراوي المكافح ...

وهكذا تستعد حاضرة ميجك لاستقبال المؤتمرين المشاركين في هذا الملتقى الوطني الهام وكلهم أمل فيما ستسفر عنه أشغال هذا المؤتمر، والتي ستكون لا محالة ذات نكهة عملية ومنظمة، واستشراف مستقبلي يساعد على الانصهار في المشروع الوطني الرامي إلى طرد الغزاة وبسط السيادة الوطنية على ما تبقى من الوطن المحتل .

 

الآفاق المنشودة

ليس من باب الصدفة إن يجتمع الشعب الصحراوي على ارض ميجك المحررة من اجل المشاركة في الاستحقاق الثاني عشر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب، لان الإرادة الشعبية هي التي تؤطر جموع المؤتمرين وإيمانهم الراسخ بحتمية توجههم الديمقراطي من أجل الرقي في سلم الدول المتطلعة لغد تسوده مفاهيم التحرر والانعتاق، ولذلك فإن مؤتمر الشهيد الكحكاح صك ملؤه الوطنية الصادقة والتطلع للمستقبل وابراز السيادة .

لكن في المقابل تنعقد آمال كبيرة على هذا الاستحقاق على اعتبار انه يأتي في منعرج هام وحساس تشهده القضية الوطنية خاصة بعد دخول طرفي النزاع ـجبهة البوليساريو و المغرب ـ في مفاوضات مباشرة لإنهاء هذا المشكل الذي عمر لعقود من الزمن، وكذا المنعرج الذي تشهده الأرض المحتلة من انتهاكات بالجملة لحقوق الإنسان وما تتعرض له المنطقة من حصار عسكري وتعتيم إعلامي مفروض عليها بشكل محكم، مع ترك الباب مشرعا لبعض الوسائل الإعلامية المغربية التي بلا ريب تكون موالية للأطروحة المغربية وتشتغل بشكل بعيد عن الموضوعية، كل هذا يجعل القضية الوطنية تمر بظروف حساسة، يفرض التعامل معها برؤية مجهرية ... وهو ما يجعل الشعب الصحراوي في مخيمات العزة والكرامة التي تعاني إكراهات اللجوء وأهالينا في الأرض المحتلة الذين ذاقوا ضرعا بدولة الغصب والإكراه يعقدون آمالا كبيرة على المؤتمر بل انه أصبح حديث الساعة نظرا لأهميته السياسية والذي أصبح الرهان عليه بشكل كبير ...فإلى أي مدى يستطيع مؤتمر الشهيد الكحكاح الخروج بتوصيات من شانها أن تحدث تغييرا على مستوى الخارطة السياسية في المغرب العربي؟

من خلال الآمال الكبيرة المرجوة والتي ينتظرها القريب والبعيد والتي من المتوقع إن تسفر عنها أشغال المؤتمر الثاني عشر للجبهة الشعبية تبقى رهانات المستقبل قائمة على الانتفاضة بشكل أساس وعلى الالتفاف الجماهيري –حول هذا الفعل الوطني باعتباره أرقى الوسائل للتعبير عن الذات ولحصد التضامن العالمي مع كفاح الشعب الصحراوي العادل من اجل الحرية والاستقلال، حينئذ يفرض الشعب الصحراوي نفسه بقوة نضاله وبسالة شعبه وفق شمولية العمل والالتفاف حول الطلائع العملية والفعاليات النضالية بشكل تتبلور من خلاله مفاتيح العمل الوطني من اجل الدفع بعجلة انتفاضة الاستقلال المباركة نحو أهدافها المعلنة، كل ذلك بإيعاز من القيادة الرشيدة لطليعة الشعب الصحراوي ووفق ما سيتمخض عن الاستحقاق القادم من توصيات من شانها تغيير مجريات الواقع السياسي المعاش وذلك من خلال :

- العمل وبشكل شمولي على إحياء وترسيخ ثقافة الوحدة الوطنية والالتفاف حول الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي .

- توسيع دائرة المشاركة الفعلية في العمل الوطني وخلق آليات تضمن استمرارية انتفاضة الاستقلال عن طريق المشاركة الشعبية بشكل موسع ويشمل كافة شرائح المجتمع .

- العمل على استثمار الحقل الإعلامي وتطويره من اجل خدمة المشروع الوطني.

- الانخراط في خلق آليات تسمح بالمشاركة الديمقراطية الجادة والهادفة أساسها الإرادة الشعبية المستنبطة من المقدسات والتي تؤطرها المبادئ الوطنية .

- الحرص على الدفع بواقع القضية الوطنية إلى الأمام بشكل أكبر مما هي عليه، مع مراعاة العامل الزمني خاصة في ظل تعنت الدولة المغربية .

- بناء أسس النظام الصحراوي على المستوى الداخلي والخارجي.

- تقوية المؤسسات الداخلية والتي من شأنها إرساء قواعد الدولة الصحراوية خاصة في مرحلة ما بعد الاستقلال.

- تكثيف نشاطات السياسة الخارجية والتنوير بالقضية الوطنية في المحافل الدولية والتصدي للترهات المغربية التي من شانها أن تؤثر على مسار القضية الوطنية.

- المشاركة السياسية الفعلية بقدم المساواة مع إقرار مبدأ الحريات والحرص على التسيير الديمقراطي للشؤون الداخلية بشكل يسمح للإفراد داخل النظام الصحراوي بالتمتع بكامل حقوقهم وواجباتهم بشكل سواء .

 

نكهة الظروف المرافقة للمؤتمر :

تبقى الإشارة الى أن هذا المؤتمر يأتي في الوقت الذي يمر فيه المغرب من أزمة سياسية عسيرة أثبتها فشل استحقاقات 7 شتنبر 2007 والذي لم تتجاوز فيه نسبة المشاركة 36 بالمائة والتي عكست الواقع المزري الذي يعيشه المغرب سياسيا سيما في ظل تفشي الفقر والبطالة، انتشار دور الصفيح بشكل متزايد وهو ما اضطر بالأحزاب المغربية الى أن تعلن فشلها في التربية السياسية للفرد داخل الدولة المغربية. ويعزى تدني نسبة المشاركة الى غياب الأدلجة والتأطير داخل الأحزاب السياسية في المغرب من طرف طلائعه الشعب ونخبته المثقفة ومرد ذلك يعود إلى سياسة الخوف التي زرعها العلويين في نفوس أبناء الشعب المغربي الذي يرزح تحت وطأة الملكية الفاشية منذ عهود، وغياب جانب التمرد الذاتي لدى الفرد حتى وان توفرت القناعة فان الإرادة قد تغيب نتيجة ضعف الوازع الوطني ونتيجة التسليم بالواقع السياسي داخل النظام المغربي... فكيف يستقيم الظل والعود أعوج ؟

يبقى أن نشير كذلك الى أن مؤتمر الشهيد الكحكاح يعتبر أول مؤتمر شعبي عام للجبهة في ولاية الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون الذي ابدى اهتمامه بالقضية .

كل هذه العوامل من شانها أن ترسم الاتجاه العام للتوجه السياسي داخل المنطقة بعد الخروج بنقط ذات طابع جدوائي تكون قادرة على التكيف مع المستقبل في ظل الظروف الراهنة وأمام ما تمر به المنطقة من تغييرات تهب رياحها بين الفينة والأخرى تبقى رهانات المؤتمر الشعبي العام قائمة الذات ويبقى الشعب الصحراوي معلق آماله على ما ستسفر عنه أشغال هذا المؤتمر وكله شوق ولهف للحرية وسيبقى انتظاره متواصل ولسان حاله يقول: "كفاح شامل لفرض السيادة والاستقلال الكامل"

Louali.dailoul@gmail.com

 

** الساقية صحيفة الكترونية مستقلة   **

** المدير العام رئيس التحرير : ميشان سيدي سالم أعلاتي **

    M_FICHAL@YAHOO.FR      

ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***   ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***  ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا