قراءة في كتاب العلاقات الدولية في الإسلام

من تأليف : عدنان السيد حسن

 

 

عنوان الكتاب: العلاقات الدولية في الإسلام

تأليف : الدكتور عدنان السيد حسين

الناشر: المؤسسة الجامعية للدراسات بيروت 2005

الصفحات: 231 صفحة من القطع الكبير

مؤلف هذا الكتاب هو الدكتور عدنان السيد حسين، أستاذ الدراسات العليا في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية في بيروت. صدر له العديد من المؤلفات، منها: «الاحتلال الإسرائيلي في لبنان: الاقتطاع ومسألة الانسحاب»، و«الانتفاضة وتقرير المصير»، و«السياسات الإدارية في المنشآت الخاصة»، و«حقوق الإنسان في الوطن العربي»، و«التسوية الصعبة»، و«نظرية العلاقات الدولية».

ويتناول المؤلف في كتابه «العلاقات الدولية في الإسلام»، الذي بين يدينا، مسألة العلاقات الدولية في الإسلام، وهو يجمع شأناً يخص الدول ودين الإسلام، الأمر الذي يتطلب عدم الخلط بين الإسلام كدين وبين الظواهر والأفكار الاجتماعية والسياسية ومختلف النظريات والفرضيات وسواها. فالدين ينظر إلى الذات والآخر، ضمن رؤية تتصف بالقداسة والتنزيه لمعتقدها، ولما تمثله من قيم مشتركة ناجمة عن التفاعل والترابط بين وحدات المجتمعات الإنسانية، وبما يسمح بوجود لغة قيمية مشتركة قائمة على البعد الروحي.

ويبدأ المؤلف بتناول الفتوحات الإسلامية، إذ ارتبط ظهور الدولة في عالم الإسلام بالفتح، حيث ما أن انتهى الإسلام من توحيد الجزيرة العربية بالدعوة والحرب، حتى اصطدم المسلمون بإمبراطورية فارس والروم، ثم اكتمل بناء الدولة الإسلامية في هذا المجال. وبدأ عرب الجزيرة العربية في التعرف على المجتمع السياسي من خلال «دولة المدينة» التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم،

ولم يتم التخلي عن الاعتماد على «حلف الفضول» السابق على الرسالة النبوية، الأمر الذي يعني وجود صيغ تعاقدية في داخل المجتمع وعلاقات خارجية أساسها «البساطة والفطرة».

ثم بقيت هذه السياسة إلى زمن الخلفاء الراشدين، لكن الأمويين آثروا «الهجوم» في سياستهم الخارجية لتحقيق التوازن مع البيزنطيين، فأسسوا جيشاً قوياً وأسطولاً بحرياً، في حين اعتمد العباسيون على «سياسة التعايش مع القوى المحيطة».

وظهر في إثر ذلك فقه الحرب أو الجهاد، مع أن الفتوحات التي قامت في العصر الراشدي وتوسعت فيما بعد لا تتشابه مع الحروب الدينية، بمعنى ليست هي حرب المسلمين ضد المسلمين، إذ تنص القاعدة القرآنية على أن «لا إكراه في الدين»، وعليه بقي عدد كبير من الناس في شبه الجزيرة وخارجها حتى حدود الصين شرقاً وبلاد الأندلس غرباً على معتقداتهم الدينية السابقة.

ومع إطلالة القرن الخامس عشر كان الإسلام هو القوة العالمية العظمى في ذلك العصر. وحين بدأ الأوروبيون باستكشاف بقية الكون في بداية التحول الغربي الكبير وجدوا حضوراً إسلامياً ملحوظاً في كل مكان ارتادوه تقريباً، في الشرق الأوسط، والهند، وبلاد فارس، وشمال شرق آسيا، والصين، واليابان.

وقد نشأت قواعد للحرب والسلم عند المسلمين في سياق الفتوحات الكثيرة التي قاموا بها، وبداية فإن الشريعة الإسلامية تتضمن مفهوم القوة ويضعها في خانة «الدفاع عن العقيدة الدينية وعن بلاد المسلمين»، وهي مضبوطة في إطار أخلاقي أساسه الإنسان. ذلك أن الإسلام نفسه في التعريف «دين السلام»، بوصف السلام غاية تسعى إليها المجتمعات الإنسانية.

كما أن السنة النبوية تؤكد قاعدة السلم: «يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية». وبالتالي فإن العلاقات الدولية في الإسلام نشأت على قاعدة السلم والسلام، إذ وردت كلمة «سلام» أو «سلم»، أكثر من خمسين مرة في القرآن الكريم. ولم يعتمد المسلمون على الجهاد المستمر ضد أعدائهم على مرّ الأزمنة والعصور. ويذكر المؤلف الأحكام الفقهية التي تناولت مفهومي «دار الحرب» و«دار السلم»، داعياً إلى إعادة النظر فيها، وبالاجتهادات الفقهية بهذا الصدد،

ومعتبراً ذلك مسألة ممكنة وموضوعية، وأن فقه الحرب الذي نشأ لدى الأوزاعي والفزاري ومحمد بن الحسن الشيباني يطالب بعدم تقسيم العالم، والاعتراف باختلاف الأحكام لاختلاف الدارين. لكن التقسيم المعهود إلى دار الإسلام ودار الحرب يعود في الأصل إلى القرن الثالث للهجرة، وعليه فإنه لا يمتلك أصلاً شرعياً له من قرآن وسنة. إنما هو منقول عن التنظيم الروماني الذي يقسم العالم إلى دار الوطنيين الرومان ودار الأجانب والأعداء،  

ومرتبط فقط بحالة الحرب ويزول بزوالها. ثم إن هناك شروطاً لا بد من توافرها لإعلان دار الحرب، وهناك العديد من الفقهاء الذين تحدثوا عن دار ثالثة هي دار العهد أو الصلح، التي تشير إلى العلاقات بين المجتمعات الإنسانية بعضها بعضاً، من جهة المواثيق والمعاهدات. وبالتالي فإن الإسلام شهد نشوء أول نظام يقول بالوحدة الإنسانية وبحماية المدنيين، وبحقوق الأسرى، وقاعدة احترام الأطفال بعدم تجنيدهم، وبعدم تخريب أرض العدو الا لضرورة قتالية،

أي تمّ وضع قواعد للحرب، وقواعد للسلم، من خلال العهود والوفاء لها واحترامها. وجرى كل ذلك قبل زمن بعيد من نشوء القانون الدولي العام. إضافة إلى كل ذلك فإننا نعثر على دعوات لإعمال العقل في معظم آيات القرآن الكريم، من مثل «أفلا تعقلون»، وتتضمن في أساسها دعوة الإنسان إلى التفكير في حياته المادية والمعنوية، وأيضاً في واقعه السياسي.

ومع صعود الإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر، فإن أوروبا كانت في أولى مراحل قوتها، بينما كانت السلطنة العثمانية تشكل المجتمع الأكثر حداثة في العالم. وفي فترة ضعف السلطنة العثمانية، نشأت في بعض البلدان، مثل تركيا ومصر، دعوات إلى نسخ النموذج الأوروبي المحدّث،  

لكن ذلك كان بعيد التحقق. ويعتقد المؤلف بأن الشريعة الإسلامية قادرة على ترويض سياسة القوة، والرقي بمدركات الإنسان والإنسانية بعيداً عن الاستعمار والامبريالية والقهر والاستغلال والاستعباد.. تستطيع الشريعة، وتالياً الفقه، وضع إطار إنساني للعلاقات الدولية بعيداً عن المادية المفرطة، وبعيداً من تسليع علاقات الشعوب والأمم انطلاقاً من حساب المنفعة المادية، وللفكر الإسلامي وللفقه الإسلامي دور ريادي مأمول.

ويهتم المؤلف بالتعريف بالأسس النظرية والعقيدية التي يجب أن ينهض عليها بناء العلاقة الدولية في عالم اليوم، خصوصاً بعد انهيار جدار برلين وانهيار الكتلة الشرقية معه، وصعود الولايات المتحدة الأميركية كقطب وحيد وانفرادي، وسيادة أزمة الرعب بعد أن سيطر على العالم شبح الإرهاب في إثر أحداث 11 سبتمبر 2001. ويستند في ذلك إلى إبراز نصوص العقيدة الإسلامية وأحكام الشريعة والاجتهادات الفقهية، ومقارنتها بما يقابلها في القانون الدولي العام الحالي،

ولا شك في أن هذه المقارنة محفوفة بالمخاطر، من حيث الفارق بين الدين والأحكام الإنسانية، والفارق الزمني كذلك. وفي هذا السياق فإن مقارنة التنظيم الإسلامي بالقانون الدولي الإنساني تعكس مساهمات بشرية ونوايا ترفض الدخول في زمن الرعب غير المحدد حتى بأغراض سياسية. كما يتعرض المؤلف لمسألة حقوق الإنسان مقارناً بين الإعلانات العالمية والإسلامية على هامش مقاصد الشريعة: حق العلم، وحق العقل وحق الدين وحق الحياة، وحق النسل، في نظم تفكير لعلاقات دولية تفتح على آفاق جديدة.

أما في أيامنا هذه فإن الصراع على الإسلام يتطور من الاختلاف إلى الصدام، وسوقت صور نمطية تظهر المسلمين بمظهر المعارض والمعادي للغرب، بالرغم من أن التاريخ لا يسجل فترات الصراع فقط، بل فترات حفلت بالتجارة والتعاون والتبادل، والتأثير المتبادل بين الطرفين في الفنون والعلوم والفلسفة. إضافة إلى أن الحضارة الأوروبية ما كان يمكن لها أن تصل إلى المدى الذي وصلت إليه من دون الاستناد والأخذ بعلوم وآداب المسلمين في العصور الوسطى وما بعدها.

كما انه من غير المقبول الحكم على الإسلام بأفعال المتطرفين التي تشوه صورة الإسلام تشويهاً مجحفاً. لكن ذلك لا يخفي وجود تناقض لدى بعض المسلمين بين المفهوم النظري والممارسة الحقيقية، فالجهاد ـ مثلاً ـ يمتلك مضموناً سياسياً عند مقاومة الاستبداد، مع ان المؤلف لا يطمح إلى حل كل تلك الإشكاليات والتناقضات بين الفعل والقول، بل إلى تلمس الكيفية التي يساهم بواسطتها العالم الإسلامي في إنقاذ الأسرة الدولية في ظل غياب مفهوم عصري للأمن على المستويين الوطني والقومي،

وإزاء تغاير المفاهيم العالمية والعلاقات الدولية التي يجب أن تستند بالضرورة إلى محددات إنسانية، تقوم على الحرية والعدل والمساواة والسلام العالمي، المؤلف يعتقد أن إسلام الدعوة قادر على الانتشار، أما إسلام الهوية فلم ينجح في تحقيق ما طرحه من شعارات على مستوى الأمة الإسلامية وعلاقاتها بالأمم الأخرى.

ويستنتج المؤلف بأن صعود الظاهرة الإسلامية يُعدّ مرحلة أخرى من مراحل تطوّر المجتمعات الإسلامية، ولا شك أن حركات اجتماعية سياسية وثقافية أخرى ستليها. وعليه فإنه يعتقد بأن التطوّرات الأخيرة التي جرت في أكثر من دولة إسلامية، والتي نهضت على التفكير الجديد لدى بعض المفكرين المسلمين،

تشير إلى أن المرحلة التالية قد تكون باتجاه علمنة أكبر للمجتمعات الإسلامية، وباتجاه نشوء حركات توافقية، ستسعى إلى المواءمة الحضارية بين التعاليم الإسلامية والمفاهيم الغربية.

** الساقية صحيفة الكترونية مستقلة   **

** المدير العام رئيس التحرير : ميشان سيدي سالم أعلاتي **

    M_FICHAL@YAHOO.FR      

ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***   ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***  ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا