الدبلوماسية في زمن الهيمنة الامريكية 

محمد عبد الهادي

 

 يشيع في السياسة والعلاقات الدولية استخدام مصطلحات ومفاهيم وتعبيرات وأدوات بعضها موجود منذ زمن بعيد، ومنها ما ارتبط بالتطورات والأحداث التاريخية، لكن قسمًا كبيرًا منها نتاج الحربين العالميتين الأولي والثانية، وانهيار الاتحاد السوفيتي والذي انهارت معه موازين القوي، وقيم أخلاقية حيث تشيع في عصر العولمة الأمريكية دوليا والهيمنة الإسرائيلية إقليميا ممارسات غير أخلاقية في السياسة والعلاقات الدولية ابتعدت بالدبلوماسية كثيرًا عن قيم العدالة واحترام القانون.

وقد شهدت أدوات الدبلوماسية ــ في السنوات الأخيرة أيضَا ــ تطورًا ملحوظًا، وظهرت في ممارستها مجموعة من المفاهيم ــ يبدو بعضها طريفًا وبعضها يثير الاشمئزاز ــ تدخل في صلب العمل السياسي علي مستوي التخطيط والتنفيذ فقد كانت استخدامات الكذب مثلاً في السياسة هي: المراوغة والتهرب من الاستحقاقات، أما الآن فقد بات الكذب أداة أو مظلة وسياسة لشن عدوان واحتلال بلدان، مثلما في حالة العراق.

أصبح الكذب إذن أداة من أدوات السياسة الخارجية لدول كبري، وارتبط به قلب الحقيقة، ولعل أشهر الأكاذيب في التاريخ الحديث كذبة الصهيونية: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» التي أسست لقيام دولة إسرائيل، وفي التاريخ المعاصر كذبة الولايات المتحدة «حيازة العراق أسلحة دمار شامل» التي أسست لشن عدوان غير شرعي علي العراق. فقد أصبحت ممارسة الكذب شائعة في السياسة والعلاقات الدولية بدرجة غير مسبوقة، فيما بات الاعتذار فريضة غائبة.

وبسبب اختلال موازين القوي شاعت مصطلحات ومفاهيم في السياسة الدولية مثل: الإهانة والإذلال، وأنتجت النظم الديكتاتورية والقمعية الجرائم الدولية.

ولدواعي التبرير والتنصل من مواقف وسياسات، عرف العالم ــ علي نحو واسع ــ اتهامات وسائل الإعلام بالتدليس، والقائمين بأعمال الترجمة بالتحريف، كما صكت هذه الدواعي مصطلح «زلة اللسان» في السياسة الدولية، وتقدمت إلي المواجهة ممارسات فساد ولصوصية تورطت فيها دول ومؤسسات، وشاعت لذلك اتهامات بسرقة ثروات الشعوب سواء من جانب رؤساء أو منظمات دولية.

وبينما تزخر السياسة الدولية بالعديد من التعبيرات التي تعكس مضامين أخلاقية مثل «رد الجميل» أو نكرانه، و«الاعتراف بالخطأ» إلا أنه قد دخلت إليها تعبيرات تعكس ترديا في السياسة وموازين القوي والأخلاق واللغة مثل «الحلاقة» و«التوسل» أو بلطجة مثل «قطع الأصابع» و«تشويه السمعة»، و«التحريض علي الاغتيال» أو لتصفية حسابات سياسية مثل «النبش في الماضي»، و« الطعن في الظهر».

وبرغم أن مفهوم «التسامح» بات الأكثر شيوعًا في إطار الناشئ حول حوار الثقافات والحضارات؛ إلا أنه الأقل استخدامًا وممارسة، أما مفهوم «الاعتذار» عن الأخطاء فقد بات نادرًا ندرة اعتذار الحكومات العربية عن أخطائها لشعوبها. وارتبط الاعتذار بموازين القوي، فالولايات المتحدة ــ علي سبيل المثال ــ لا تعتذر إلا في حالات شديدة الندرة.

ووضع التطور التكنولوجي بصمته علي السياسة والعلاقات الدولية؛ فأصبح هناك منا يعرف الآن بـ «دبلوماسية الهاتف» واستخدام التسجيلات ــ صوتًا، وصورة وصوتًا (فيديو) ــ علي نطاق واسع لإرسال رسائل سياسية، كما ساهمت مظاهر سيادة الدولة في ظهور مصطلحات مثل «تأشيرة الدخول» التي باتت بدوها ــ منحًا أو منعًا ــ أداة من أدوات السياسة الخارجية للتعبير عن موقف ــ في الغالب ــ سلبي، تجاه دولة أو شخص.

ومن أكثر التعبيرات والمصطلحات طرافة في السياسة الدولية والتي باتت تستخدم علي نطاق واسع ما يعرف بـ «دبلوماسية الشفايف» أو القبلات، والتي استخدمها مسئولون في دول كبري للاستعاضة بها عن الكلام؛ للدلالة علي العلاقات الحميمة أو باستخدامها كمنشط دبلوماسي ولتليين المواقف.

وقد حاولت من خلال عملي محررًا للشئون الدبلوماسية بجريدة الأهرام رصد هذه المفاهيم والأدوات والمصطلحات والممارسات، وجمع العديد من النماذج الدالة التي تعكس ممارسات في العلاقات والسياسة الدولية، تبدو صادمة من بلوغ تلك العلاقات والممارسات السياسية مستوي غير مسبوق من التواضع من استخدام الدبلوماسية أدوات غير معقولة، والاستخفاف بين أطرافها، كما تعكس في نفس الوقت المستوي الذي بلغته تلك العلاقات في ظل نظام دولي أحادي القطبية يسمي بعصر الهيمنة الأمريكية. 

 

** الساقية صحيفة الكترونية مستقلة   **

** المدير العام رئيس التحرير : ميشان سيدي سالم أعلاتي **

    M_FICHAL@YAHOO.FR      

ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***   ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***  ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا