العولمة والعلاقات الدولية الراهنة

نزار قاسم محمد

لم يكن انهيار الاتحاد السوفيتي-في العقد التاسع من القرن العشرين -حدثاً روسياً فقط، بقدر ما كان بداية تحول نوعي في مسار التطور العام للبشرية، عملت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على إنضاج وتفعيل تراكماته الداخلية والخارجية، تمهيداً لدورها -لذي تمارسه اليوم -كقطب أحادي يتولى إدارة ما يسمى بالنظام العالمي " الجديد " .

وفي سياق هذا التحول المادي الهائل الذي انتشر تأثيره في جميع أرجاء كوكبنا الأرضي بعد أن تحررت الرأسمالية العالمية من كل قيود التوسع اللامحدود، كان لابد من تطوير بل إنتاج النظم المعرفية، السياسية والاقتصادية الى جانب الفلسفات التي تبرر وتعزز هذا النظام العالمي الأحادي

والتي تمثلت في عناوين جديدة كتحرير التجارة العالمية، وإعادة الهيكلة، والتكيف، والخصخصة باعتبارها أحدى الركائز الضرورية اللازمة لتوليد وتفعيل آليات النظام العالمي " الجديد " أو ما يسمى بالعولمة. فهل العولمة نظام جديد ظهر فجأة عبر قطيعة مع السياق التاريخي للرأسمالية أم أنه جاء تعبيراً عن شكل التطور الأخير لها منذ نهاية القرن الماضي ؟ وهل تملك العولمة كظاهرة إمكانية التفاعل والتطور والاستمرار لتصبح أمراً واقعاً في القرن الحادي والعشرين؟

أولاً: المعروف أن الرأسمالية منذ نشأتها الأولى في القرن السادس عشر لم تكن حركة محدودة بإطار وطني أو قومي معين ضمن بعد جغرافي محدد فالإنتاج السلعي وفائض القيمة وتراكم رأس المال لدى البورجوازية الصاعدة منذ القرن الخامس عشر، التي استطاعت تحطيم النظام الإقطاعي القديم وانشاء محطات لتمركز الإنتاج الصناعي ورأس المال على قاعدة المنافسة وحرية السوق للانطلاق نحو التوسع العالمي اللامحدود وهي نظرية تدعو الى " الترفع عن المشاعر الوطنية والثقافة القومية والتراث القومي باسم وحدة الجنس البشري " لكن انقسام العالم عبر ثنائية قطبية، فرضت أسساً جديدة ادت الى إعادة النظر -جزئياً --في آليات المنافسة الرأسمالية وحرية السوق والتوسع اللا محدود (كما عبر عنها آدم سميث الأب الأول لليبرالية ) حيث توصلت الى ضرورة إعطاء الدولة دوراً مركزياً لإعادة ترتيب المجتمع الرأسمالي يتيح مشاركتها في إدارة الاقتصاد في موازاة الدور المركزي للسوق الحر وحركة رأس المال، وقد تبلور هذا التوجه في قيام هذه الدول بتطبيق الأسس الاقتصادية التي وضعها المفكر الاقتصادي " جون ماينارد كينز " حول دور الدولة ومن أهم هذه الأسس:-

1- تمكين الدولة الرأسمالية من الرد على الكوارث الاقتصادية.

2- إعطاء الدولة دور المستثمر المالي المركزي في الاقتصاد الوطني أو رأسمالية الدولة.

3- حق الدولة في التدخل لتصحيح الخلل في السوق أو في حركة المال.

4- دور الدولة في تفادي التضخم والديون وارتفاع الأسعار .

وقد استمرت دول النظام الرأسمالي في تطبيق هذه السياسات الاقتصادية طوال الفترة الممتدة منذ ثلاثينيات القرن العشرين حتى نهاية العقد الثامن منه حيث بدأت ملامح انهيار منظومة البلدان الاشتراكية وبروز الأحادية القطبية الأمريكية وأيديولوجية الليبرالية الجديدة. التي حققت تحولاً ملموساً في تطور المجتمعات الرأسمالية قياساً بتطور مجتمعات بلدان المعسكر الاشتراكي، وكان من أهم نتائج هذا التطور النوعي الهائل، خاصة على صعيد التكنولوجيا والاتصالات، إعادة النظر في دور الدولة الرأسمالية وقد بدأ ذلك في عصر كل من تاتشر عام 1979، ورونالد ريغان عام 1980 وكلاهما أكد أهمية العودة الى قوانين السوق وحرية رأس المال وفق أسس نظرية الليبرالية الجديدة التي تقوم على:-

1-" كلما زادت حرية القطاع الخاص زاد النمو والرفاهية للجميع "

2-" تحرير رأس المال وإلغاء رقابة الدولة في الحياة الاقتصادية "،وتحرير التجارة العالمية.

أنها باختصار، دعوة الى وقف تدخل الدولة المباشر، وتحرير رأس المال من كل قيد انسجاماً مع روح الليبرالية الجديدة التي هي في جوهرها ظاهرة رأسمالية تنتمي -الى " حرية الملكية والسوق والبيع والشراء.

في ضوء هذه السياسات، اندفعت آليات الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة الدولية WTO، وبحماسة بالغة، في الترويج لهذه الليبرالية، بل الضغط على جميع دول العالم عموماً والعالم الثالث على وجه الخصوص، للأخذ بالشروط الجديدة تحت شعار برامج التصحيح والتكيف. وفي مجرى تطور الرأسمالية وفق هذا المفهوم " الجديد " وتطبيقاته المباشرة في عصر ريغان / تاتشر، واستمراره فيما بعد، ظهرت تحولات بالغة السرعة في الاقتصاد العالمي، فقد تغيرت بنية التجارة الخارجية العالمية، وتطورت التكنولوجيا خاصة في مجال المعلومات والاتصالات، وتم إخضاع الدولة للشروط الدولية الجديدة عبر نمو وانتعاش بورجوازية السوق على حساب بورجوازية الدولة.

في هذه الظروف، برزت بقوة الشركات العابرة للقوميات أو المتعددة الجنسية وبالرغم من أن هذا المفهوم لم يطرح حينها بصورة أكاديمية، إلا أننا نعتقد بأن المدافعين عنه والرافضين له، لا يختلفون على تعريف العولمة -ارتباطا بالهيمنة الأمريكية الراهنة- باعتبارها صيغة تهدف الى تنظيم حياة الشعوب والدول بأساليب ومفاهيم جديدة، أو ما يسمى " بالنظام العالمي الجديد " الذي يسعى الى إعادة صياغة النظم السياسية والاقتصادية السائدة في العالم بهدف إخضاع العالم لإدارة واحدة، إنها انفتاح عالمي بلا حدود، تقوم على حرية حركة رؤوس الأموال والمنتجات والتسليم بسيادة السوق.

ثانياً : أنه بسقوط الأنظمة الاشتراكية يكون الصراع التاريخي بين الليبرالية والماركسية قد انتهى بانتصار ساحق لليبرالية، وبهذا النصر تكون البشرية قد بلغت نقطة النهاية لتطورها الأيديولوجي. لا وجود لتناقضات أساسية في الحياة البشرية لا يمكن حلها في إطار الليبرالية الحديثة، الا انه ليس من الضروري عند نهاية التاريخ ان تصبح كل المجتمعات مجتمعات ليبرالية لان هناك مجتمعات لا تزال تعيش بشعارات التطرف القومي أو الديني. لا شك في ان المستقبل خلال الخمسين سنة القادمة سيكون للأمريكيين وان المشاركة في هذه الموجة أو هذا التحول مفيد للدول النامية.

ثالثاً : هدفنا مما تقدم كشف إمكانية تحقيق مفهوم العولمة وانتقاله من حالة الفرضية النظرية المجردة إلى حالة الواقع والتطبيق، خاصة بعد أن توفرت له كل هذه المعطيات المادية والفكرية، في سياق ثورة العلم والتكنولوجيا وثورة المعلومات والاتصالات التي تعزز وتغطى الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعولمة، وتدفع بعمق نحو انتقال هذا المفهوم إلى حقائق مادية نشطة وفاعله على هذا الكوكب، ضمن إطار وأدوات الحضارة الغربية والبلدان الصناعية الرأسمالية التي تنضوي تحت لوائها، عبر هيمنة أحادية حتى اللحظة للولايات المتحدة الأمريكية.

1- صندوق النقد الدولي الذي يشرف على إدارة النظام النقدي العالمي ويقوم بوضع سياساته وقواعده الأساسية، وذلك بالتنسيق الكامل مع البنك الدولي، سواء في تطبيق برامج الخصخصة والتكيف الهيكلي أو في إدارة القروض والفوائد والإشراف على فتح أسواق البلدان النامية أمام حركة بضائع ورؤوس أموال بلدان المراكز الصناعية.

2-منظمة التجارة العالمية WTO التي تقوم الآن بالإشراف على إدارة النظام التجاري العالمي الهادف الى تحرير التجارة الدولية وإزالة العوائق الجمركية، وتأمين حرية السوق وتنقل البضائع في مدى زمني لا يتجاوز عام 2005، بالتنسيق المباشر وعبر دور مركزي للشركات المتعددة الجنسية.

وفي ضوء هذه السياسات والشروط المحددة من الصندوق والبنك الدوليين من جهة، ومنظمة التجارة الدولية من جهة ثانية، أصبحت السياسة التجارية للدول المستقلة، وأول مرة في التاريخ الاقتصادي للأمم، شأنا دوليا، أو معولما، وليست عملا من أعمال السيادة الوطنية أو القومية الخالصة

** الساقية صحيفة الكترونية مستقلة   **

** المدير العام رئيس التحرير : ميشان سيدي سالم أعلاتي **

    M_FICHAL@YAHOO.FR      

ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***   ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا    ***  ملاحظة مهمة : الرجاء من الزوار الكرام إعلامنا بكل الاخطاء الواردة في الموقع و ذلك من خلال الاتصال بنا عن طريق البريد الالكتروني .. وشكرا